المنظمات غير الحكومية والجماعات ذات المنطلق الديني، والنقابات العمالية، وجماعات الشعوب الأصلية، والمنظمات الخيرية، وجماعات المجتمعات المحلية، والمؤسسات، وغير ذلك من المؤسسات والمنظمات، كقوة رئيسية في عملية التنمية الدولية خلال العشرين عامًا الماضية. وشهد المجتمع المدني توسعاً كبيراً من حيث نطاق عمله وحجمه وقدراته، وذلك في أعقاب تنامي الأنظمة الديمقراطية في جميع أنحاء العالم. ووفقاً لحولية المنظمات الدولية، فقد زاد عدد المنظمات غير الحكومية الدولية من 6000 عام 1990 إلى ما يزيد على 50 ألف عام 2006. كما أصبح لمنظمات المجتمع المدني دور بارز في تقديم المساعدات الإنمائية علي مستوى العالم؛ كما يظهر من تقرير منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) والذي يشير إلى تقديمها مساعدات تقدر بحوالي 15 مليار دولار أمريكي من تدفقات المساعدات الدولية حتى عام 2006.
وازداد كذلك تأثير وقدرة منظمات المجتمع المدني على تشكيل السياسات العامة على الصعيد العالمي خلال العقدين الماضيين. ويتضح هذا النشاط جلياً عن طريق حملات الدعاية الناجحة التي استطاعت استقطاب آلاف المؤيدين في شتى أنحاء العالم حول قضايا معينة مثل: حظر الألغام الأرضية، وإلغاء الديون، وحماية البيئة. إن النداء العالمي لمكافحة الفقر (GCAP)، وهو حملة من المجتمع المدني الدولي تدعو إلى الإعفاء من الديون وزيادة المعونات للبلدان الفقيرة، يعتبر أحدث الأمثلة على نشاط المجتمع المدني المفعم بالحيوية وأهميته. وتشير تقديرات إلى أن هذه الحملة قامت في عام 2007 بتعبئة ما يزيد على 44 مليون مواطن للمشاركة في أحداث وأنشطة الوقفة احتجاجاً على الفقر والتي نُظمت في مختلف مدن العالم.
أسباب الشراكة بين البنك الدولي ومنظمات المجتمع المدني
يدرك البنك الدولي أن التعاون بين منظمات المجتمع المدني والحكومات والقطاع الخاص من شأنه أن يؤدي إلى تعزيز الجهود الرامية إلى تشجيع النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية المستدامة بصورة كبيرة. وتلعب منظمات المجتمع المدني على وجه الخصوص دوراً مهماً في التنمية من خلال:
ضمان وصول أصوات الفقراء والمهمشين إلى الحكومات، وكذلك ضمان الأخذ بوجهات نظرهم في القرارات الخاصة بالسياسات.
تشجيع المساءلة والشفافية في القطاع العام عن طريق زيادة الضغوط لتحقيق الإدارة الرشيدة؛
بناء أسس مشتركة من خلال نُهج تشاركية وتعزيز استراتجيات التنمية الوطنية والمبادرات الوطنية الرامية إلى تخفيض أعداد الفقراء.
تقديم الخبرة الفنية وتوفير حلول مبتكرة تتسم بالفاعلية من حيث مردود التكلفة لمواجهة المشكلات المحلية؛
المشاركة مع الحكومات لتقديم خدمات اجتماعية، خاصة في المناطق الخارجة من صراعات والتي تعاني من هشاشة أساليب نظام الإدارة العامة.
كيفية اشتراك البنك الدولي مع منظمات المجتمع المدني
بدأ البنك الدولي في التفاعل رسمياً مع منظمات المجتمع المدني في أواخر السبعينات من القرن العشرين، وذلك من خلال مناقشة المخاوف بشأن الآثار البيئية للمشروعات التي يمولها البنك. وفي عام 1981، وافق مجلس المديرين التنفيذيين في البنك الدولي على السياسة الأولى المعنية بالعلاقة مع منظمات المجتمع المدني. في عام 2005، نشر البنك ورقة عن السياسات بعنوان "قضايا وخيارات تحسين التعاون بين البنك الدولي ومنظمات المجتمع المدني"*. ويحلل هذا التقرير علاقة البنك بالمجتمع المدني ويقدم إطارا مؤسسيا ويوضح خطة عمل من 10 نقاط لزيادة تدعيم هذه العلاقة. وفي يناير/كانون الثاني 2005، رُفعت هذه الوثيقة إلى مجلس المديرين التنفيذيين في البنك، والذي أعاد التأكيد على مساندته لمشاركة المجتمع المدني كأحد المكوّنات الهامة لتعزيز جهود البنك الرامية إلى تخفيض أعداد الفقراء على مستوى العالم. ويعكف البنك الدولي حالياً على تحديث الإرشادات المتعلقة بتعاونه مع منظمات المجتمع المدني في مختلف وحداته. وتجري صياغة مسودة لورقة أولويات استراتيجية جديدة ستتضمن ملاحظات قدمتها منظمات المجتمع المدني وغيرها من أصحاب المصلحة في الأشهر المقبلة.
حوار السياسات
في مجال الحوار المتعلق بالسياسات، يتشاور البنك مع منظمات المجتمع المدني بغية التعرف على وجهات نظرها واقتراحاتها بشأن مجموعة من القضايا تتراوح من سياسات عالمية مثل نظام الإدارة العامة وشروط الإقراض إلى استراتيجيات المساعدة القطرية على المستوى القطري. ويشجع البنك أيضاً ويساند حكومات البلدان النامية على الانخراط مع منظمات المجتمع المدني في صياغة وتنفيذ ورصد إستراتيجيات تخفيض أعداد الفقراء التي تحدد سياسات وخطط البلد المعني بشأن تخفيض أعداد الفقراء. وجرت أحدث المشاورات العالمية في عام 2008 بشأن الإطار الاستراتيجي المعني بتغير المناخ والتنمية وتضمنت مشاركات عبر الإنترنت و59 اجتماعا تشاوريا حضرها 1400 مشارك في عشرات البلدان. وشملت الأطراف التي تم استشارتها ممثلين عن الحكومات والهيئات المانحة ومنظمات المجتمع المدني والبرلمانات والقطاع الخاص. كما أشرك البنك أيضا منظمات المجتمع المدني في الشهور الأخيرة في مواجهة أزمة الغذاء العالمية من خلال سلسلة من مناقشات المائدة المستديرة. وجمعت المناقشات قادة منظمات المجتمع المدني والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة لتقييم تأثير الأزمة على الفقراء ومناقشة الخيارات السياسية واستطلاع التعاون على مستوى البلدان.
التعاون في مجال العمليات
ازدادت وتيرة تعاون البنك على مستوى تنفيذ العمليات بصورة مطردة مع منظمات المجتمع المدني وذلك من خلال إشراكها في المشروعات التي يمولها البنك وتمويل المبادرات الإنمائية الخاصة بهذه المنظمات. وزادت مشاركة منظمات المجتمع المدني المتوقعة في المشروعات التي يمولها البنك الدولي من 21 في المائة من مجموع المشروعات الجديدة في السنة المالية 1990 إلى ما يُقدر بنحو 72 في المائة في السنة المالية 2008. ويناقش البنك الدولي "برامج" مع منظمات المجتمع المدني الكبرى تتعلق بتجربة التعاون على مستوى العمليات حول بعض الأولويات المواضيعية.
زادت مساندة الجهود الإنمائية لمنظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم من خلال إنشاء العديد من آليات التمويل. ويتم عادةً تقديم منح لمنظمات المجتمع المدني العاملة في مجالات مثل التخفيف من وطأة الفقر في المناطق الريفية، والرعاية الصحية في المجتمعات المحلية، وتنمية المشاريع الصغرى، وحماية البيئة، والتعليم الابتدائي، وحقوق المساواة بين الجنسين. ويقوم البنك الدولي بتمويل منظمات المجتمع المدني بصورة مباشرة من خلال آليات مقرها في واشنطن، وبصورة غير مباشرة من خلال الصناديق الاجتماعية التي تديرها الحكومات في أكثر من 60 بلداً. للاطلاع على أمثلة عديدة عن حوار البنك مع منظمات المجتمع المدني، وتعاونهما في تنفيذ العمليات على الأصعدة العالمية والإقليمية والوطنية، انظر تقرير التعاون والمشاركة بين البنك الدولي والمجتمع المدني: استعراض السنتين الماليتين 2005 و2006*.